الاثنين، 29 ديسمبر 2014

بناء عبد الله بن الزبير


بناء عبد الله بن الزبير



يعتبر صاحب تاريخ الكعبة المعظمة أن رواية الحافظ نجم الدين بن فهد في كتابه (إتحاف الورى) أوضح وأجمع ما ورد في عموم الروايات التي جاءت في عمارة ابن الزبير رضي الله عنهما، وفي نفس الوقت لا تخالف الروايات الأخرى، وسنقدم جزءاً منها بما يكفي لإيضاح بناء عبد الله بن الزبير، دون الدخول في تفاصيل تتعلق بالخلافات، وأسباب تعرض الكعبة للمنجنيق مما أدى إلى تعرضها للنيران، فحصرنا هذه الرواية فيما يخص البناء فقط، جاء في رواية الحافظ: (ودعا ابن الزبير وجوه الناس وأشرافهم فشاورهم في هدم الكعبة، فأشار عليه ناس كثير بهدمها، ومنهم جابر بن عبد الله، وكان جاء معتمراً، وأبى أكثر الناس هدمها، وكان أشدهم عبد الله بن العباس وقال: دعها على ما أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها، ثم يأتي بعد ذلك آخر فلا تزال أبداً تهدم وتبنى، فتذهب حرمة هذا البيت من قلوبهم، ويتهاون الناس بحرمتها، ولا أحب ذلك، ولكن أرقعها). 
(فقال ابن الزبير: والله ما يرضى أحدكم أن يرقع بيت أبيه وأمه فكيف أرقع بيت الله سبحانه، وأنا أنظر إليه ينقض من أعلاه إلى أسفله، حتى أن الحمام ليقع فتتناثر حجارته، فأقام أياماً يشاور وينظر ثم أجمع على هدمه، وكان يحب أن يكون هو الذي يرده على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على قواعد إبراهيم، وعلى ما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، فلما اجتمع له ما يحتاج إليه من آلات العمارة، وأراد هدم الكعبة عمد إلى ما كان في الكعبة من حلية وثياب وطيب فوضعه في خزانة الكعبة، في دار شيبة بن عثمان، حتى أعاد بناءها، ولما أراد ابن الزبير هدم الكعبة أخرج أهل مكة منها، بعضهم إلى الطائف، وبعضهم إلى منى، فرقاً( ) أن ينزل عليهم عذاب لهدمها، ولم يرجعوا إلى مكة حتى أخذ في بنائها، فلما هدم ابن الزبير الكعبة وسواها بالأرض كشف أساس إبراهيم( )، فوجده داخلاً في الحجر نحواً من ستة أذرع وشبراً، كأنها أعناق الإبل آخذ بعضها ببعض، فإذا تحرك الحجر من القواعد تحركت الأركان كلها، فدعى ابن الزبير خمسين رجلاً من وجوه الناس وأشرافهم وأشهدهم على ذلك الأساس، ثم وضع البناء على ذلك الأساس، ووضع حداث باب الكعبة على مدماك على الشاذروان الملاصق بالأرض، وجعل الباب الآخر بإزائه في ظهر الكعبة مقابله، وجعل عتبته على الحجر الأخضر الطويل الذي في الشاذروان الذي في ظهر الكعبة قريباً من الركن اليماني
(فلما بلغ ابن الزبير بالبناء ثمانية عشر ذراعاً في السماء، وكان هذا طولها يوم هدمها فقصرت لأجل الزيادة التي زادها من الحجر فيها، فقال ابن الزبير: قد كانت قبل قريش تسعة أذرع حتى زادت قريش فيها تسعة أذرع طولاً في السماء، فأنا أزيد فيها تسعة أذرع أخرى، فبناها سبعة وعشرين ذراعاً في السماء، وهي سبعة وعشرون مدماكاً، وعرض جدارها ذراعان، وجعل فيها ثلاث دعائم في صف واحد، وأرسل ابن الزبير إلى صنعاء فأتى منها برخام يقال له الباق، فجعله في الروزن التي في سقفها للضوء، وبناها بالرصاص المخلوط بالورس، وكان باب الكعبة قبل بناء ابن الزبير مصراعاً واحداً، فجعل لها مصراعين طولهما أحد عشر ذراعاً من الأرض إلى منتهى أعلاها، وجعل الباب الآخر الذي في ظهرها بإزائه على الشاذروان الذي على الأساس مثله، وجعل لها درجة في بطنها في الركن الشامي، من خشب معرجة تصعد فيها إلى ظهرها، وجعل في سطحها ميزاباً يسكب في الحجر( )
وبناء عبد الله بن الزبير رضي الله عنه الله عنهما هو العاشر، وقد تمت ما بين سنة (64) هـ (683)م، وسنة (65)هـ (684)م، وهو أول بناء للكعبة بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. 

0 التعليقات :

إرسال تعليق